“وكما قلت سابقاً مضت ثلاث سنوات لم يأت فيها أحد لزيارتي، وعائلتي: “امي الحبيبة، أي الحبيب، إخوتي “لا أحد منهم يدري عني شيئاً؛ وهل لا زال بين الأحياء أو أنني قد أصبحت في عداد الأموات، ثم بعد هذه السنوات الثلاث، جاءت عائلتي تسأل عني، أمي الحبيبة تتوسل إليهم باكية أن يسمحوا لها برؤيتي، أولئك المتعصبون الملحدون المرتزقة أجابوا أمي بكل سهولة وبساطة: إن ابنتك لا تخبرنا عن الجواسيس الذين نبحث عنهم، ولو أنها تعاونت معنا، لكنّا قد أطلقنا سراحها منذ زمن بعيد، ألا تعلمين ان ابنتك خائنة بائعة للأوطان، يا لحسرتي عليكِ يا أمي الصبورة المعذبَّة، من يدري كيف تحمّلت هذا الكلام، وماذا حلّ بفؤادك الطيب ذاك؟…
لقد جربوا عليّ أنواعاً مختلفة من التعذيب والقهر، وكان أحدها أنه يجب عليّ الوقوف بتبجيل وإحترام من دون أيّ حراك أمام صور ما و – ذاك الذي يقدسونه – ساعات طويلة؛ إذ تمتد مدة وقوفي من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة السادسة مساءً.
يعني لو كانت بالمقدرة عند المسلمين أن يجبر أحداً على الدخول في الإسلام بالعنف والقسوة، فلا إكراه في الدين، ثم في النهاية قدّموني للمحاكمة.. ويالتهم ما فعلوا… تهمة لا تستطيع تصديقها يا أخي كمال، في العام 1962 قد هرب من مدينة غولجو ومدينة تشيفشك ثمانون ألف شخص إلى السوفييت، وأنا من قمت بتهريب هؤلاء جميعهم.
هذه التهمة قد أصابتني بالصدمة العارمة؛ إذ كنت لا أزال في سنٌ صغيرة، ولا علم لي ولا دراية بأولئك الظالمين الكفرة، حقاً لا أستطيع أن أصف لك ما عشته بعد سماع هذه التهمة، ألا يفكر أمثال هؤلاء، بالتأكيد، هم لن يقولوا: “قد هرب هذا العدو الكبير بسبب ظلمنا ووحشيتنا”، ولكن كيف لفتاة شابة بعمر الورود أن تهرّب الآلاف من الناس إلى بلدان أخرى لا تقلّ درجة الظلم فيها عن سابقتها، لن أنسى هذا الحدث في حياتي كلها حتى مماتي، ولو أني أملك المقدرة، لحدّثت بهذا جميع الناس في أنحاء الدنيا كلها؛ بل إن وجد أناس على كوكب المريخ أيضاً لما ترددت لحظة واحدة في إخبارهم بما حدث لي.
لم يكن التعذيب ومرارته وقسوته التي عانيت فيما سبق أثرُ يذكر أمام هذا الجرح العميق الذي تسببه لي هذه التهمة: “تهريب ثمانين ألفاً من الناس”، لأن سبب هذا الجرح هو طعنة غادرة من المسلمين، قد اكتشفت من ذلك اليوم كم أن المسلمين مغفلون حتى إنهم لم يعلموا بعدُ حقيقة الملحدين الكفرة، كانت ياسمين تحكي لي قصتها وصوتها مخنوق بالبكاء…
لقد كان جرحاً عميقاً مؤلماً يا أخي كمال، ثم بعد ذلك أبعدوني عن قريتي “أوردمتشي” إلى قرية “غينجو”، تبعد عن سابقتها مسافة 60 كلم، كانت قرية كبيرة جداً يعيش فيها معاً مجتمعين: “الصينيون مع الأتراك Kaza والكازازستان والأوروغويون uygur، والأتراك، قاموا هناك بجمع ثلاثة آلاف من الخَدَم، وزجوا بنا وسط هؤلاء المغيّبة عقولهم، وكنا ثمانية سجناء، وكان من بيننا امرأة ثانية غيري، وكنت أنا في آخر المجموعة تلك، عرّفونا لهم باننا خائفون للوطن… بدأت أذناي تسمعان أصواتاً مخيفة، ولم أكن أدري ما السبب، وإذا بهم قد انهالوا بالضرب المبرِّح على السجناء الذين كانوا في المقدمة.
المرأة المسكينة تلك، كانوا قد ادخلوا رأسها بشيء مشابه لا بريق الشاي القديم، وبدؤوا بضربها من أعلى الإبريق، وأخذوا يضغطون على رأسها بقوة، وهكذا دفن رأس المسكينة داخل الإبريق، ومن تبقى من السجناء وقد افترش الأرض غارقاً في دمائه ويتلوى من شدة الآلام والأوجاع، ويصرخ أولئك ممن سُمّي مسلماً من الأتراك، ويشتمون إخوتهم: “اللعنة عليكم يا بائعي الأوطان”، توقفوا أرجوكم، لا تفعلوا هذا بأبناء ملتكم ودينكم، لا تنخدعوا بكلام الملحدين هؤلاء، إنهم كاذبون!”…
كان وعد طارق وكمال لوالدهما بالبقاء على الصراط المستقيم: “نحن أبناء “التراب التركي، فهل يعقل أن نكون بلا دين، يتدفق في عروقنا الدم التركي الذي عمل طهارة الإسلام” وذلك عندما كانا يغادران قريتهما التركية الصغيرة الجميلة إلى المدينة لإكمال دراستهما الثانوية… ولكن الرياح جرت على غير ما تشتهيه سفن الوالد، غرق كلاهما بزيف الشعارات الشيوعية، وأصبحا ملحدين، والأبعد من ذلك أنهما كانا ينكدا بالمساجين من المسلمين.
وتتوالى الأحداث، ويمرّ كمال بتجارب جعلته يعي هذا الفخ الذي نصب للمسلمين، إلا أن طارقاً بقي على ما هو عليه إلى درجة مارس على أخيه الحبيب كمال ألوان التعذيب.
وهكذا تتكشف لطارق أسرار وراء تلك الهجمة على المسلمين وتنفضح أمامه كل الوسائل لإستدراجه إلى المزيد من الإلحاد، ومقولة تكشف عن السبب الكامن وراء كل ذلك: “يقول بعضهم أن أصل الظلم هذا جاء من الشيوعية… ولكني أخالفهم الرأي يا أخي كمال، وأقول أن مصدر هذا الظلم قد نبع من جهلنا بدين الإسلام الذي نعتنقه”.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.